التوارث بين الأزواج مختلفي الأديان

يقصد بالميراث هو كل ما يتركه المتوفى من مال لورثته سواء كان منقولاً أو عقاراً وقد جاء في أغلب التشريعات العربية نصوص تتعلق باختلاف الدين بين المورث والوارث و هو كل حالة لا يكون فيها دين المورث ودين الوارث واحداً ، سواء تعلق الأمر بميراث بين مسلم وغير مسلم أو بمن لا دين لهم ، فاختلاف الدين هو مانع قائم ومستمر دائماً وهو محل جدل كبير على الساحة القانونية والعامة ، فإذا كان أحد طرفي العلاقة الإرثية مسلماً و الآخر غير مسلم فهل يتوارثان ؟ و هل يعد اختلاف الدين مانعاً من موانع الإرث بينهما وفقاً لقوانين الأحوال الشخصية العربية؟

بالرجوع إلى الفقه الإسلامي في مسألة توارث مختلفي الأديان من بعضهم البعض فإنها تعد مسألة محسومة بعدم جواز التوارث بينهم ، وذلك تأسيساً على ما جاء في الحديث النبوي الشريف :”لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم” و حديث “لا توارث بين أهل ملتين”، وهذا ما أخذت به تشريعات الأحوال الشخصية في كافة الدول العربية و التي تعتبر اختلاف الدين مانعاً للإرث ، حيث نصت المادة 318 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي “لا توارث مع اختلاف الدين” ،


فالقاضي يطبق القانون ووظيفته هي إعمال حكم القانون وليس إنشاؤه ، ولكن من المتفق عليه أيضا أن تفسير النّصوص القانونية هو من صميم و جوهر العمل القضائي والذي يعمد لتأويل النصوص حتى في صورة وضوحها إذ بالتأويل وحده نحكم على وضوح النص من عدمه، فغموض النَّص القانوني هو الحالة التي يوجد فيها نص لكن تحديد مفهومه وضبط معناه يستعصي على القاضي أو رجل القانون عموماً سواء من الناحية اللغوية أو الاصطلاحية أو كلاهما معاً ، أما في مسألة التوارث والتي حسمتها جميع التشريعات العربية استناداً لقاعدة فقهية ثابتة وراسخة بموجب الحديث النبوي الشريف ولا يوجد أي مجال للتوسع في تفسير النص القانوني المبني أساساً على قاعدة فقهية.


فمثلاً في حالة وفاة المورث الأجنبي المسلم على أرض دولة عربية مسلمة وترك زوجة غير مسلمة فالقوانين أجمعت على عدم جواز التوارث بينهما لاختلاف الدين وكذلك في حالة وفاة الزوجة غير المسلمة فلن يرثها زوجها المسلم حسب القاعدة الفقهية والنصوص القانونية في الدول العربية التي أستقرت بعدم جواز التوارث مع اختلاف الأديان ، فلو كان المورث يملك في دولة الإمارات العربية المتحدة أي أموال أو عقارات فلن تتنقل بالإرث لصالح الوريث غير المسلم ولن تطبق على تركة المسلم المتوفى الذي يحمل جنسية دولة أجنبية قواعد تقسيم التركة حسب نهج المواريث الإسلامية .

وحيث وردت إلينا مؤخراً العديد من الاستفسارات القانونية حول هذه المسألة ومن وجهة نظرنا نرى بأن القاعدة الفقهية لم تحجب الأزواج ذوي الديانات المختلفة من حفظ حقوقهم لبعضهم البعض فالمبدأ الأساسي في عدم توارثهما ناشئ عن اختلاف الدين ولكن جميع الأديان بما فيها الشريعة الإسلامية أباحت الوصية ولم تقيدها بوحدة الدين بين الموصي والموصى له ، فالشريعة الاسلامية قيدت حدود الوصية بأن لا تزيد عن ثلث التركة وفقاً لما جاء في السنة النبوية وهو ما عملت به جميع قوانين الأحوال الشخصية بالدول الإسلامية والعربية ، حيث نصت المادة 249 بقانون الأحوال الشخصية الإماراتي بصحة الوصية لمن يصح تملكه ولو مع اختلاف الدين ، كما نصت المادة 243 بذات القانون على “تنفذ الوصية في حدود ثلث تركة الموصي بعد أداء الحقوق المتعلقة بها ، وتصح فيما زاد عن الثلث في حدود حصة من أجازها من الورثة الراشدين”، ونستنتج من هذه القاعدة الفقهية والنص القانوني بأن الوصية تجوز بأكثر من ثلث التركة بشرط أن يجيزها الورثة الراشدين أما في حالة عدم إجازتها فالوصية تنفذ في حدود الثلث فقط ، ومن جهته أكد المحامي والمستشار القانوني الأستاذ منصور المازمي من مكتب بن مسحار ومشاركوه بدبي بأن خيار الوصية بين الأزواج مختلفي الأديان هو الخيار القانوني الأمثل لضمان الموصي مستقبل الموصى له من بعده حتى لا يحرم الموصى له من نصيبه في تركة الموصي بسبب اختلاف الأديان فيما بينهما، كما أن وصية غير المسلم المقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة لا تتقيد بحد الثلث في تركته طالما قام بتسجيلها أصولاً في الدولة.